فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ}: يجوزُ أَنْ تكونَ جملةً مستأنفةً، وأن تكونَ في محلِّ رفعٍ خبرًا ثانيًا، ويجوزُ أَنْ يكونَ {لهم} خبرَ {أولئك} و{مغفرةٌ} فاعلُه. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في طيب:
الطَيِّب: ما يستلذُّه الحواسّ من الأَطعمة والأَشربة وغيرها.
وقال تعالى: {كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا} أي من المباحات المأْكولة والمشروبة، ونحوه: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي من الحلال.
وقوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} أي الشحوم واللحوم التي كانت محرَّمة على اليهود بنصّ التوراة أَحلّها الله بنصّ القرآن.
وقوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} أي الصَّيد والذبائح.
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا} أي الغنائم، ونحوه: {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}.
وقوله: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} تنبيه أَن الأَعمال الطيِّبة تكون من الطيّبين، كما رُوى: إِن المؤمن أَطيب من عمله، والكافر أَخبث من عمله.
وقوله: {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} أي الأَعمال السيِّئة بالأَعمال الصالحة.
وقوله: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} أي طاهرة زكيّة مستلذَّة.
وقوله: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} قيل: إِشارة إِلى الجنَّة وإِلى جِوار ربّ العالمين.
وقوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} إِشارة إِلى الأَرض الزكيّة، وقيل: إِشارة إِلى نفس المؤمن وكلمة الشهادة.
وقوله: {صَعِيدًا طَيِّبًا} أي ترابًا لانجاسه فيه.
وسمِّى الاستنجاءُ استطابة لما فيه من التطيّب والتطهير.
و{طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} قيل: اسم شجرة في الجنَّة معروفة.
وقيل: بل إِشارة إِلى كلّ مستطاب في الجنَّة: من بقاءٍ بلا فناءٍ، وعزَ بلا ذلّ، وغنًى بلا فقر.
والأَطيبان: الأَكل والنكاح.
قال نَهْشَل بن حَرِّىّ:
إِذا فات منك الأَطيبان فلا تُبَلْ ** متى جاءَك اليوم الذي كنت تَحْذَرُ

اه.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جل ذكره: {الخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيِثِينَ وَالخَبِيْثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ}.
{الْخَبِيثَاتُ}: من الأعمال وهي المحظورات {لِلْخَبِيثينَ}: من الرجال المُؤْثِرين لها طوعًا، والذين يجنحون إلى مثل تلك الأعمال فهم لها، كلٌّ مربوطٌ بما يليق به؛ فالفِعْلُ لائقٌ بفاعله، والفاعلُ بِفِعْلِهِ في الطهارة والقذارة، والنفاسة والخساسة، والشرفِ والسِّرَفِ.
ويقال: {الخَبِيثَاتُ}: من الأحوال؛ وهي الحظوظُ والمُنَى والشهواتُ لأصحابها والساعين لها. والسارعون لمثلها لها، غيرَ ممنوعٍ أحَدُهما من صاحبه، فالصفةُ للموصوف مُلازِمة، والموصوفُ لِصِفَتِهِ ملازِمٌ.
ويقال: {الخَبِيثَاتُ} من الأشياء للخبيثين من الأشخاص وهم الراضون بالمنازل السحيقة... وإنَّ طعامَ الكلابِ الجِيَفُ.
ويقال: {الخَبِيثَاتُ}: من الأموال- وهي التي ليست بحلال- لمن بها رتبته، وعليها تعتكف هِمَّتُه؛ فالخبيثون من الرجال لا يميلون إلاَّ لمثل تلك الأموال، وتلك الأموال لا تساعد إلا مثلَ أولئك الرجال.
قوله جل ذكره: {وَالطَّيِبَاتُ لِلطَّيِبِنَ وَالطَّيِبُونَ لِلطَّيِبَاتِ}.
{وَالطَّيِّبَاتُ}: من الأعمال هي الطاعات والقُرَبُ للطيبين والطيبون هم المُؤْثِرُون لها والساعون في تحصيلها.
{وَالطّيِّبَاتُ}: من الأحوال- وهي تحقيق المواصلات بما هو حقُّ الحق، مُجَرَّدًا عن الحظوظ {لِلطَّيِبِينَ} من الرجال، وهم الذين سَمَتْ هِمَّتهم عن كلِّ مُبْتَذَلٍ خسيس، ولهم نفوسٌ تسموا إلى المعالي، وهي التجمُّلُ بالتذلل لِمَنْ له العِزَّةُ.
ويقال الطيبات من الأموال- وهي التي لا نكيرَ للشرع عليها، ولا مِنَّةَ لمخلوقٍ فيها- للطيبين من الرجال، وهم الأحرار الذين تخلَّصوا من رِقِّ الكون.
ويقال {وَالطَّيِبَاتُ} من الأشخاص وهن المُبَرَّاتُ من وهج الخطر، والمتنقيات عن سفساف أخلاق البشرية، وعن التعريج في أوطان الشهوات- {لِلطَّيِبِّينَ} من الرجال الذين هم قائمون بحقِّ الحقِّ؛ لا يصحبون الخلْقَ إلا للتعفُّفِ، دون استجلابِ الشهوات.
{لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
لهم مغفرةٌ في المآل، ورزقٌ كريم في الحال وهو ما ينالون من غير استشرافٍ، ولا تطلب طمعٍ، ولا ذلِّ مِنِّةِ ولا تقديم تعَبٍ. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَات}.
هذه الآية الكريمة نزلت في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما رميت به، وذلك يؤيد ما قاله عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم من أن معناها: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء؛ أي فلو كانت عائشة رضي الله عنها غير طيبة لما جعلها الله زوجة لأطيب الطيبين صلوات الله وسلامه وعلى هذا فالآية الكريمة يظهر تعارضها مع قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} إلى قوله: {مَعَ الدَّاخِلِينَ} وقوله أيضًا {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْن}... الآية؛ إذ الآية الأولى دلت على خبث الزوجتين الكافرتين مع أن زوجيهما من أطيب الطيبين وهما: نوح ولوط عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، والآية الثانية دلت على طيب امرأة فرعون مع خبث زوجها.
والجواب أن في معنى الآية وجهين للعلماء:
الأول: وبه قال ابن عباس وروى عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك، كما نقله عنهم ابن كثير واختاره ابن جرير- أن معناها الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول والطيبات من القول للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من القول؛ أي فما نسبة أهل النفاق إلى عائشة من كلام خبيث هم أوْلى به وهي أوْلى بالبراءة والنَّزاهة منهم؛ ولذا قال تعالى: {أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُون} وعلى هذا الوجه فلا تعارض أصلًا بين الآيات.
الوجه الثاني: هو ما قدمنا عن عبد الرحمن بن زيد، وعليه فالإشكال ظاهر بين الآيات.
والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه أن قوله الخبيثاث للخبيثين إلى آخره على هذا القول من العام المخصوص بدليل امرأة نوح ولوط وامرأة فرعون وعليه فالغالب تقييض كل من الطيبات والطيبين والخبيثات والخبيثين لجنسه وشكله الملائم له في الخبث أو الطيب مع أنه تعالى ربما قيض خبيثة لطيب كامرأة نوح ولوط أو طيبة لخبيث كامرأة فرعون لحكمة بالغة كما دل عليه قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا} مع قوله: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} فدل ذلك على أن تقييض الخبيثة للطيب أو الطيبة للخبيث فيه حكمة لا يعقلها إلا العلماء؛ وهي: في تقييض الخبيثة للطيب أن يُبَيِّن للناس أن القرابة من الصالحين لا تنفع الإنسان وإنما ينفعه عمله ألا ترى أن أعظم ما يدافع عنه الإنسان زوجته وأكرم الخلق على الله رسله فدخول امرأة نوح وامرأة لوط النار كما قال تعالى: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.
فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن الاغترار بالقرابة من الصالحين والإعلام بأن الإنسان إنما ينفعه عمله ليس {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}... الآية كما أن دخول امرأة فرعون الجنة يعلم منه الإنسان إذا دعته الضرورة لمخالطة الكفار من غير اختياره وأحسن عمله وصبر على القيام بدينه أنه يدخل الجنة ولا يضره خبث الذين يخالطهم ويعاشرهم فالخبيث خبيث وإن خالط الصالحين كامرأة نوح ولوط والطيب طيب وإن خالط الأشرار كامرأة فرعون، ولكن مخالطة الأشرار لا تجوز اختيارًا كما دلت عليه أدلة أخر. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: إذا حصل لأهل الله مسألة إلى غيره قيض الله له ما يرده إليه، وأن النبي عليه السلام لما قيل له: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة فساكنها وقال: يا عائشة حبك في قلبي كالعقدة.
وقالت عائشة: إني أحبك وأحب قربك فالله تعالى حل عقدة الحب عن قلبه لحديث الإفك ورد قلب عائشة إلى حضرته حتى قالت حين ظهرت براءة ساحتها بحمد الله لا بحمدك. وقيل: الملامة مفتاح باب حبس الوجود بها يذوب الوجود ذوبان الثلج بالشمس {يوم تشهد عليهم} شهادة الأعضاء في القيامة مؤجلة وبالحقيقة هي في الدنيا معجلة كقوله: {تعرفهم بسيماهم} [البقرة: 273] من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وقال الشاعر:
عيناك قد حكتا مبيتك ** كيف كنت وكيف كانا

ولرب عين قد أرتك ** مبيت صاحبها عيانًا

وإذا كانت الإمارة في الدنيا ظاهرة فهي في القيامة أولى فاللسان يشهد بالإقرار بقراءة القرآن، واليد تشهد بأخذ المصحف، والرجل تشهد بالمشي إلى المسجد، والعين تشهد بالبكاء، والأذن تشهد باستماع كلام الله. وعند الحكماء تظهر أنوار الملكات الحميدة على النفس من البدن وبالعكس كما تتعاكس أنوار المرايا المتقابلة، ويعلمون أهل الوصول والوصال أن الله هو الحق المبين لا شيء في الوجود غيره لا في الدنيا ولا في الآخرة، وحينئذ يحق أن يقال: {الخبيثات} وهن الملوثات بلوث الوجود المجازي {للخبيثين} وهم أمثالهن {والطيبات} من لوث الحدوث {للطيبين} وهم أشكالهن ولا طيب إلا الله وحده. اهـ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.